مختصرات الوجود الأجنبي في سوريا

51

لا شك أن علاقات روسيا مع اغلب البلدان العربية، أصبحت مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، وفي جانب المصالح الروسية المباشرة، فان روسيا حصلت على اتفاقات ومزايا وتسهيلات كثيرة، تشمل المجالات السياسية والعسكرية والاستثمارية، تضمن لها عدا الوجود المؤثر مكاسب متعددة وحاضنة شعبية وسط مؤيدي النظام.

ويحتل وجود إيران العميق في سوريا أهمية كبيرة بالنسبة لطهران، ليس بسبب ما يعطيه لها من قوة ومكانتها في الإقليم، بل أيضا بما يمثله في أهداف استراتيجيتها التمدد والسيطرة عبر مختلف الوسائل، وتعتبر سوريا أحد أهم واقدم حلقات استراتيجية إيران، وهي تكمل “الهلال الشيعي” وفي قلبه انطلاقاً من طهران الى بغداد مروراً بدمشق وصولاً الى لبنان على ساحل المتوسط.

ولان سوريا بمثل هذه الأهمية، فقد وفرت ايران كل الاحتياجات من اجل تكريس وجودها هناك بكل الأشكال الممكنة، فجلبت مليشيات من لبنان والعراق وأفغانستان، وقواتها للقتال ضد الشعب السوري، وكثفت حضورها في كل مجالات الحياة وفي المستويين الرسمي والشعبي، حيث خلقت لنفسها امتدادات في السلطة والمجتمع، لا تجعلها تؤثر على قرارات النظام حالياً، بل تبني قواعد تأثير راهنة ومستقبلية وسط السوريين عبر عمليات التشييع من جهة وإقامة التنظيمات الأيديولوجية المسلحة التابعة لها من جهة ثانية، وامتد اثر الوجود الإيراني العميق الى توقيع إيران على اتفاقات مع نظام الأسد، شملت مختلف الأنشطة لدرجة بات بمقدورها العمل بصورة مستقلة او بأدنى درجات التنسيق والتواصل مع مؤسسات النظام وأجهزته، وصارت سوريا، وكأنها ولاية ايرانية، كما جاء في تصريحات مسؤولين إيرانيين مرات كثيرة.

وإذا كان الروس والايرانيون حلفاء النظام بوصفهما قوى تأثير عميق في سوريا، فان تأثير طرفين آخرين مصنفين في عداد خصوم النظام وهما تركيا والولايات المتحدة، يقارب  ما للروس والإيرانيين من تأثير في مستقبل سوريا إضافة لما يملكانه من تأثير في الواقع الحالي لشمال سوريا حيث مناطق سيطرة واشنطن وحلفائها في شرق الفرات، ومناطق سيطرة تركيا وحلفائها في الشمال الغربي.

تمتد الحدود التركية – السورية لأكثر من ثمانمائة كيلو متر، وتحيط بها من الجانبين أكثر قضايا البلدين حساسية وفيها ثلاث ملفات، يتعلق اولها بموضوع المياه والثاني بالأرض المختلف عليها، والثالث بالسكان الموزعين على جانبي الحدود وابرزهم الاكراد، وقد شكلوا هاجساً سياسياً وامنياً للسلطات على مدار عقود، وصعدت التطورات الميدانية في السنوات الأخيرة من الهواجس التركية بفعل تحركات حزب العمال التركي(PKK) وشقه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، التي جعلت من شمال سوريا خطراً على تركيا، وقد صارت الأخيرة اكثر قدرة في تأثيرها السوري المعزز أولا بموقفها المناهض لسياسات الأسد، ودعم معارضيه، ثم في تدخلها العسكري المتكرر وخاصة في عملية درع الفرات، التي استهدفت تحجيم وقف تمدد كرد (PYD) وتحالفه السوري.

وباستثناء حضور تركيا في القضية السورية كقوة إقليمية ناهضة ومجاورة، فقد كرستها السنوات الأخيرة واحدة من قوى الوجود العسكري العميق، قبل ان يضاف الى ما سبق حضور سياسي – اقتصادي، وثقافي -اجتماعي في الشمال الغربي وفي مجمل القضية السورية حالياً وفي المدى المنظور.

اخر اطراف الوجود العميق واهمها هو الولايات المتحدة، التي وان كان وجودها العسكري المباشر محدوداً بمئات من الجنود، فانه يستند الى مكانتها وقدراتها من جهة والى تحالفاتها في سوريا سواء عبر قيادة التحالف الدولي ضد “داعش” او في ادارتها لتحالف محلي مع قوى وجماعات مسلحة سورية أكبرها واهمها تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده كرد(PYD)، مما جعل السيادة الأميركية غير المباشرة، تمتد عبر حلفاء محليين الى نحو ثلث مساحة سوريا، وتتحكم بأكبر كمية من المياه والأراضي الزراعية وفيها العدد الأكبر من حقول النفط والغاز.

واقع الوجود الأميركي في سوريا، يجعلها الدولة الأكثر تأثيراً في القضية، لكن عزوفها عن القيام بدور نشط وفاعل اعطى روسيا هذه المكانة، دون ان يعطي الأخيرة قدرة على حل وحسم في القضية، التي لابد ان تقول واشنطن فيها كلمة الارجحية، ان لم نقل كلمة اقرب الى الحسم، خاصة وانها ستكون مدعومة من قوى  حليفة عربية وغربية كثيرة.

خلاصة الامر في الوجود الأجنبي، انه بات صاحب التأثير الحاسم في القصية السورية، ولان الاختلاف والخلاف قائم بين اطرافه، فان يحتاج الى وقت، تتغير فيه بعض وقائع ميدانية او سياسية تحيط به سواء بفعل صراعات وصدامات، او عبر تسويات وتوافقات، قبل الانتقال الى فرص حل القضية السورية، وحتى يحين ذلك الوقت، فان السوريين سيظلون في محيط المعاناة من أثار الكارثة التي دفعهم الى أتونها نظام الأسد، ثم انضم اليه الإيرانيون والروس، وسط صمت العالم وعدم اهتمامه الكافي.

فايز سارة

كاتب وسياسي سوري

المجلس العسكري السوري

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.