“مخاتير” قرى وبلدات ريف إدلب.. وسيلة هيئة تحرير الشام للتجسس على المناهضين لها ومعرفة تحركاتهم
تستخدم هيئة تحرير الشام مخاتير القرى والبلدات ضمن مناطق سيطرتها في إدلب وريفها كوسيلة للتجسس ونقل تحركات المدنيين المناهضين لها، حيث يعرف بعض هؤلاء “المخاتير” بإعداد تقارير كيدية عن المعارضين لسياسة هيئة تحرير الشام لتقوم بدورها باعتقالهم ومحاسبتهم بحال صدرت منهم أفعال معينة مثل توجيه انتقاد سواء داخل المخيمات أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
واستطاعت هيئة تحرير الشام عبر “حكومة الإنقاذ” استبدال نسبة كبيرة من “المخاتير” الذين كانوا معينين على القرى والبلدات من قبل حكومة النظام السوري واستبدالهم بأشخاص موالين ومقربين منها، بهدف شراء ذممهم وتعيينهم “جواسيس” و”مخبرين” لها وذلك بحسب ما يجمع عليه العديد من النشطاء والمدنيون في مناطق إدلب وريفها.
وتغيرت نظرة المدنيين في الشمال السوري تجاه “المختار” الذي ارتبط اسمه منذ عقود طويلة في سوريا بصفات حميدة مثل مساعدة أبناء قريته وحل خلافاتهم ومشاركتهم في مناسباتهم ولكونه واجهة عشائرية للقرية ويعد منزله مكاناً لاجتماعهم وتبادل الأحاديث التي تخص القرية أو البلدة، لكن الكثير منهم ينظر حالياً “للمختار” في المخيم على أنه “جاسوس” ويتبع ضمنياً “لهيئة تحرير الشام” ويتجنبون التحدث أمامه والتعبير عن رفضهم لسلطة الأمر الواقع خوفاً من الاعتقال.
ويتحدث الناشط (م.أ) المقيم في ريف إدلب الشمالي للمرصد السوري لحقوق الإنسان قائلاً، عملت “حكومة الإنقاذ” على تغيير “المخاتير” الذين كانوا معينين منذ ما قبل تاريخ الثورة السورية واختيار أشخاص بمواصفات معينة لتتخذ منهم وسيلة لبسط نفوذ “هيئة تحرير الشام” وقبضتها الأمنية على المنطقة.
ومن أهم المواصفات لهؤلاء المخاتير بحسب (م.أ) أن يكونوا موظفين ضمن “حكومة الإنقاذ” ومستفيدين منها ويلاحظ أيضاً استبعاد كبار السن بأشخاص من فئة الشباب، كما وتم اختيارهم بشكل دقيق والتأكد من ولاءهم المطلق لهيئة تحرير الشام وزعيمها “أبو محمد الجولاني”، ويصرف “للمخاتير” رواتب شهرية ويحصلون على امتيازات عديدة.
ويلفت إلى أن “المخاتير” أصبحوا حالياً أداة لهيئة تحرير الشام، لنقل أخبار المدنيين من خلال متابعتهم بشكل دقيق، كما أن المختار لديه معرفة تامة بجميع المعلومات الشخصية لأبناء منطقته وهذا ما سهل الطريق كثيراً لرصد المناهضين لهيئة تحرير الشام واعتقال أي شخص منهم في أي وقت كان وبكل سهولة.
ويوضح بأن لكل بلدة أو قرية مختار حيث من الممكن أن يكون هناك ضمن المخيم عدة “مخاتير” تقع على عاتقهم مسؤولية تسيير المعاملات لأبناء قراهم وبلداتهم مثل شهادات الوفاة واخراج قيود، كما ويتم من خلالهم تنفيذ التعليمات الصادرة عن المؤسسات الحكومية وغيرها العديد من المهام الأخرى، لكنهم يعرفون من قبل الكثير بكونهم “مخبرين” لصالح هيئة تحرير الشام.
ويروي الشاب الشاب (أ.ه) للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قصة اعتقاله لمدة 20 يوم على يد “جهاز الأمن العام” التابع “لهيئة تحرير الشام” في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي، يقول، بأنه ينحدر من ريف حماة الغربي وكانت تهمته التأخر بدفع مبلغ 4500 دولار أمريكي لشخص كان قد استدان المبلغ منه ولم يتمكن من سداده بالوقت المحدد.
ويتابع، بأنه وبعد يومين من تقديم الشكوى من قبل صاحب المبلغ وبعد محاولات عديدة لاقناعه بسحبها وأن يمهله عدة أيام لسداد المبلغ، علم من خلال “المختار” المكلف من قبل “حكومة الإنقاذ” بأن عليه التوجه لمحكمة سرمدا لكنه أعرب عن رفضه الذهاب وطلب التوسط لدى صاحب المبلغ لحل الخلاف بدون اللجوء للمحكمة وكانت القضية على وشك الانتهاء والتوصل لحل لكنه تفاجأ في اليوم التالي بمداهمة منزله واعتقاله.
مضيفاً، أنه تعرض للاعتقال بشكل تعسفي ويرجح بأن “المختار” هو من نقل كلامه “للجهاز الأمني” وبقي رهن الاحتجاز لمدة 20 يوماً ثم أطلق سراحه بعد تعهده بسداد المبلغ عبر دفعات واضطر لبيع سيارته من أجل سداد المبلغ، وما جعله يرجح قيام “المختار” بإخبار “جهاز الأمن العام” عنه هو أن صاحب المبلغ لا يقطن في المخيم ويبعد عنه مسافة طويلة مما جعله شبه متأكد من ذلك.
أما المسن (ي.م) “70 عاماً” المقيم في أحد مخيمات بلدة أرمناز في ريف إدلب الشمالي فيقول في حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن سنوات أحداث الثورة السورية غيرت كثيراً من المفاهيم والعادات، فالمختار كان مقصد أبناء القرية سابقاً حيث تعقد عنده السهرات والجمعات في المضافة وكان يعد من أهم وجهاء القرية.
أما الآن فيرى (ي.م)، بأن التباعد الاجتماعي الذي سببه النزوح بين أفراد القرية وحتى على مستوى العائلة ضيع من أهمية المختار وأصبح يطلب فقط عندما يحتاجه أحد في تختيم معاملة فقد انتقلت الحالة من شخصية محبوبة لدى أبناء القرية وموثوق بها ويجمع الكل على احترامها إلى مجرد موظف حكومي يعمل لصالح “حكومة الإنقاذ”
ولا يستبعد بأن تقوم “هيئة تحرير الشام” بتجنيدهم باعتبارهم مستفيدين جداً منها، فالمختار يحصل على حصة كبيرة من المساعدات الإغاثية ويمكنه تزوير أسماء للاستلام والتغطية عليه من قبل المنظمات بكونه مدعوماً من “حكومة الإنقاذ” ويعامل معاملة خاصة، لذلك تستغل “هيئة تحرير الشام” ضعاف النفوس منهم لتوظيفهم لصالحها.
وتعقد “حكومة الإنقاذ” “الجناح التنفيذي القائم في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” بشكل دائم اجتماعات مع “المخاتير” بهدف توجيههم للعمل بما يخدم مصالحها وبسط نفوذها في المنطقة وتثبيت قبضتها الأمنية، وتجري خلال هذه الاجتماعات مناقشة المشاكل التي تحدث ضمن التجمعات السكنية وأهم الأسباب التي تؤدي لها، كما وتناقش تسهيل عملية تسيير معاملات المدنيين والإجراءات وجمع المعلومات وغيرها من التعليمات والأوامر التي يتم تكليفهم بها.
وبتاريخ 16 حزيران/ يونيو الجاري، عقدت “حكومة الإنقاذ” ندوة بعنوان ” المخاتير بين النص والتطبيق” حضرها عشرات “المخاتير من عدة قرى وبلدات في ريف إدلب، وكان الهدف منها بحسب “حكومة الإنقاذ” هو مناقشة عمل “المخاتير” ومهامهم المكلفين بها، وعلق العديد من المدنيين في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” على خبر الندوة المنشور عبر الصفحة الرسمية “لحكومة الإنقاذ” منتقدين “المخاتير” ووصفوهم بأنهم “جواسيس” وينحصر عملهم في رفع التقارير الكيدية “لهيئة تحرير الشام” ضد المدنيين.
وتعرف “هيئة تحرير الشام” بقوة جهازها الأمني الذي تسلط جزء كبير منه على المدنيين لمنع وجود أصوات معارضة لها ضمن مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا، وقد عملت خلال الفترة الأخيرة على تقوية الجهاز الأمني وتكثيف أعداده وقدراته الأمنية وتكثيف أعداد الحواجز التي تقطع أوصال البلدات والقرى في مناطق إدلب وريفها.
وتخصص “هيئة تحرير الشام” قسم من عناصر “جهاز الأمن العام” للتجسس ومراقبة المدنيين حتى عبر مواقع التواصل الإجتماعي وكتابة الدراسات الأمنية، كما ويتميز عناصر “جهاز الأمن العام” بميزات عديدة عن باقي عناصر “هيئة تحرير الشام” من ناحية الرواتب الشهرية والحوافز وتخريج دورات من العناصر المدربين بشكل جيد، ومن ناحية ثانية يملك الجهاز قدرة عالية على تحديد أماكن المطلوبين والمشتبه بهم بارتكاب جرائم أو مخالفات واعتقالهم خلال مدة زمنية قصيرة.