في ظل العجز الطبي ضمن مشافي إدلب.. الحكومة التركية تواصل منع المرضى السوريين من الخروج والعلاج ضمن مشافيها بشكل مجاني
تأثر الكثير من المرضى السوريين المتواجدين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بمحافظة إدلب، لاسيما أصحاب الأمراض الخطيرة كـ أمراض القلب والسرطان بعدة أنواعه بالإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية بحق السوريين الخارجين من سوريا عبر معبر”باب الهوى الحدودي” بهدف العلاج، بعد أن أوقفت الإحالات الطبية منذ مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الفائت.
القرار تمثل بإيقاف دخول الإحالات الطبية القادمة من الشمال السوري بهدف العلاج في تركيا بشكل كامل، وإيقاف منح ما تعرف بـ “بطاقة الحماية المؤقتة” واستبدالها بوثيقة سياحية إضافة لتحمل المرضى الموجودين في المشافي التركية مصاريف علاجهم بعد أن كان العلاج يقدم للسوريين بشكل مجاني، وتعتبر أمراض السرطان والقلب من الأمراض الشائعة في مناطق الشمال السوري ولايوجد لها علاج أو أدوية خاصة وإن وجدت تكون بأسعار مرتفعة جداً ويحتاج المريض لدخول تركيا بشكل عاجل حتى يتمكن من تلقي العلاج.
“مصادر طبية” في معبر”باب الهوى” الحدودي ذكرت للمرصد السوري أن إحالات الأمراض القلبية وأمراض السرطان لم تتوقف وجرى استثنائها ولا زالت تدخل إلى تركيا لكن ليس بشكل مجاني بل يتحمل المريض في تركيا تكاليف علاجه بنفسه، وهذا ما دفع الكثير من المرضى وخصوصاً من لا يملكون القدرة على تحمل الأعباء المالية لعدم الدخول لتركيا بسبب غلاء تكاليف العلاج هناك لهذه الأمراض، حيث انخفضت بشكل كبير نسبة عدد الداخلين لتركيا من أصحاب هذه الأمراض، والجميع ينتظر أن تقدم السلطات في تركيا على تعديل هذه الإجراءات وإعادة تفعيل بطاقات “الحماية المؤقتة” التي تؤهل السوريين الحصول على العلاج المجاني في المشافي التركية التي تقوم بعلاج السوريين على نفقة المنح المالية الأوروبية المقدمة للحكومة التركية للاجئين السوريين.
الطبيب (ج.أ) وهو أحد الأطباء المتخصصين بالأمراض القلبية في إدلب في شهادته “للمرصد السوري” يقول، إن الإمكانيات الطبية في مشافي الشمال السوري ليست ضئيلة ولا يوجد قدرة على علاج مرضى القلب والسرطان والأورام الدماغية، وتنحصر الإمكانيات المتوفرة في علاج الحالات التي تسبق تأزم حالة المريض والتي نسميها “أعراض مبكرة” حيث يتم علاج عدد من الأنواع مثل سرطان الثدي، أما الحالات المستعصية فلا بد من إحالتها للعلاج في تركيا أو ستكون معرضة للخطر الذي قد يصل إلى الموت، مضيفاً، أن علاج أمراض السرطان يعتمد بشكل أساسي على “العلاج الإشعاعي” والذي لا يتوفر في مشافي الشمال السوري فضلاً عن العديد من الأدوية الغير متوفرة ويجب علاجها في الخارج حصراً، وبعد أن أوقفت تركيا منح العلاج المجاني للسوريين تضاعفت الأزمة بشكل كبير وأصبحنا نتلقى العديد من الحالات في ظل عدم القدرة على العلاج إلا بشكل مبدئي وفي أفضل الحالات يتم استئصال تورم في الكولون وغيرها من الإجراءات التي يمكن القيام بها، لكن تبقى هناك معضلة وهو وجود الكثير من السوريين في المشافي التركية يعانون من صعوبة تأمين تكاليف العلاج، إضافة للعديد من الحالات في الشمال السوري تحتاج للنقل السريع للعلاج في المشافي التركية.
أما عن أسعار الأدوية فيوضح الطبيب، أنها تتراوح ما بين 100 إلى 1000 دولار أحياناً وذلك بحسب نوعيتها وهذا مبلغ كبير ليس بمقدور غالبية السوريين في إدلب ومن أكثر الأمراض التي تعد صعبة جداً في العلاج وارتفاع سعر دوائها هي “أمراض الدماغ” وعدم علاجها بشكل عاجل يشكل خطراً على حياة المريض.
بدوره يتحدث الطبيب ( أ.م) والذي يعمل في أحد المراكز الخاصة بعلاج الأورام في إدلب في شهادته للمرصد السوري قائلاً: تواجه المشافي والمراكز الصحية في إدلب مشكلة عدم توفر “العلاج الكيماوي” الذي يستخدم لعلاج مرضى السرطان، وفي ظل عدم وجود جهة تمنح هذا العلاج بشكل مجاني بعد الإجراءات التركية، فإن المريض سيتحمل على نفقته الخاصة هذه التكاليف، وتقدر تكلفة الجرعة الواحدة من العلاج الكيماوي ما بين 50 إلى 200 دولار أمريكي، مضيفاً أن المريض بحاجة بشكل متوسط لتلقي 8 جرعات تقريباً ما يعني أنه سيتحمل تكلفة تصل لأكثر من 1600 دولار أمريكي خلال رحلته العلاجية، فضلاً عن عدم توفر هذه الجرعات واضطراره لشرائها من تركيا، وهناك بعض الأجهزة الخاصة بتشخيص جميع أنواع السرطانات والأمراض القلبية غير متوفرة في الشمال السوري مثل جهاز “البيتي سكان” وهناك نوع جديد من العلاج المتقدم والحديث للسرطان يسمى”العلاج المناعي الذكي” وهذا مكلف جداً ويصل لأكثر من 1000 دولار أمريكي للجلسة الواحدة وهذا النوع من العلاج لا يتوفر أيضاً في مشافي الشمال السوري، ويؤكد الطبيب أنه بحال تم دعم المشافي والمراكز الصحية في الشمال السوري بهذه التقنيات والأدوية لأصبح من السهل على المرضى السوريين تلقي العلاج وبتكاليف أقل بكثير لكن الوضع العام للقطاع الصحي متردي بشكل كبير.
وفي شهادته”للمرصد السوري” يتحدث (ع.ح) وهو صاحب صيدلية في إدلب قائلاً: هناك نسبة كبيرة من مرضى السرطان والقلب في مناطق إدلب وريفها لكن لايوجد لدينا أعداد رسمية، وبشكل عام فإن أسعار أدوية السرطان تتراوح ما بين 50 إلى 1000 دولار أمريكي،أما أدوية القلب فتعتبر أقل سعرًا، وبعد أن أوقفت تركيا علاجهم بشكل مجاني أصبحت هناك مأساة حقيقية تنتظر الحل السريع، مضيفاً، هناك نسبة من المرضى يأخذون الأدوية رغم أنها تنفذ كل فترة ثم يتم جلبها من تركيا، ويتكفل بعض المتبرعين بدفع ثمن أدوية بعض المرضى في مناطق إدلب وريفها لكن هناك في المقابل الكثير ممن لا يملكون ثمن علاجهم، ويشير إلى ضرورة إيجاد حل سريع لهذه المعضلة ويجب دعم القطاع الطبي في إدلب دعماً حقيقياً بجميع المستلزمات ويجب على “مديرية صحة إدلب” أن تجد بديلاً غير تركيا لدعمها مثل دول الاتحاد الأوروبي، كما يأمل أن تحل قضية المرضى السوريين في تركيا، ويجدر الذكر أن جائحة كورونا – كوفيد 19 تسببت بانهيار كبير في القطاع الطبي في إدلب وتعاني معظم المشافي والمراكز الصحية حالة صعبة بعد تزايد أعداد المصابين.
وفي الـ 22 من سبتمبر/أيلول، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن الجانب التركي ضمن معبر باب الهوى الحدودي مع لواء اسكندرون شمالي إدلب منذ 16 آب/أغسطس المنصرم أوقف إصدار وثائق “هويات” لمرضى الحالات الباردة والإسعافية الداخلة عبر المعبر للعلاج في تركيا، واستبدلت إصدار وثائق “الهويات” التي كانت تسمح للمريض بالعلاج بشكل مباشر ضمن المشافي التركية بوثائق جديدة تحت اسم “وثيقة علاج سياحية” مدتها شهر واحد فقط غير معترف بها ضمن المشافي التركية بكل الولايات باستثناء “مشفى الدولة” في هاتاي/أنطاكيا، تخولهم العلاج لمدة أسبوعين فقط، إلا أن “مشفى الدولة” في أنطاكيا ومنذ تاريخ 15 سبتمبر/أيلول الحالي أوقفت العلاج بشكل نهائي أو إجراء طبي لأصحاب الوثيقة الجديدة، ويتواجد نحو 450 مريض ومثلهم ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل والقوات التركية في إدلب وأرياف حلب وغالبيتهم من مرضى السرطان والجراحات القلبية ضمن دور الاستشفاء في مدينة الريحانية بتركيا، مصير علاجهم مجهول، حيث أن الوثيقة الجديدة غير مفهومة وتلزم أصحابها بالعودة إلى سوريا والتجديد كل شهر إذ يسبب القرار الجديد معاناة كبيرة للمرضى الذين بحاجة للعلاج بشكل فوري وعلى وجه الخصوص مرضى الأمراض المزمنة.