طارق الكردي: طالبنا بوقف الانتهاكات بحق السجناء واللاجئين السوريين بشكل عام في لبنان ونرفض استخدامهم كورقة في الصراع السياسي الداخلي اللبناني
أكد المحامي طارق الكردي، رئيس المكتب القانوني في هيئة التفاوض السورية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن النظام السوري لم يُغير وسائله العنفية وطريقته في مواجهة الغضب الشعبي تجاهه حيث لايزال يصر على الحل الأمني وتهجير السوريين قسريا، معتبرا أن المعارضة مستمرة في هدفها لفرض تطبيق القرار الأممي 2254،لافتا إلى أن كل محاولات النظام لتلميع صورته والتطبيع اقليميا ودوليا كانت نتائجها صفرية ولن تحقق أي هدف مادامت أساليبه القمعية متواصلة.
وأفاد الكردي بأنه لا بديل عن القرارت الدولية التي كانت بتوافق جامع، متهما النظام بعرقلة الحلول السياسية وعدم احترام المجتمع الدولي واتفاقاته.
س-وضع صعب يعيشه اللاجئون السوريون الآن في لبنان، وهم يتأرجحون بين المشقة والخوف من العودة والاعتقال والتنكيل من قبل النظام، وتحمل الوضع المأساوي الجديد في لبنان نتيجة الحرب، دون حل ينقذهم من هذا الوضع، أين هيئة التفاوض من هذا، وأليس دورها التنسيق لإيجاد الحلول لهؤلاء المنكوبين؟
ج-بالفعل، يعيش اللاجئون السوريون في لبنان منذ زمن طويل أوضاعا معيشية وحياتية صعبة وزادت هذه الأيام مأساوية وصعوبات هذه الأوضاع ، فهم يتعرضون لممارسات عنصرية وانتهاكات بحقّهم خاصة من بيئة حزب الله، ويتعرضون لمخاطر الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي والتي لا تميّز بين لبناني وسوري، كما يواجهون تمييزاً في توزيع المساعدات الإنسانية التي تُشرف عليها الدولة اللبنانية، وبالمقابل يخشون العودة إلى سوريا خوفاً من بطش النظام والاستدعاءات الأمنية والاعتقالات أحياناً، بالخلاصة فإن ظرفهم مأساوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
-قضيتهم هي قضية جوهرية بالنسبة لنا في هيئة التفاوض السورية، وتعمل هيئة التفاوض السورية بكل إمكانياتها للتخفيف من مأساوية هذه القضية، ونتواصل على أعلى مستوى دولي واممي من أجل إيجاد حلول لمعاناة اللاجئين السوريين في لبنان وضمان أمنهم وسلامتهم والحد الأدنى من العيش الكريم والمعاملة الإنسانية، ولن ندّخر جهداً للوصول إلى هذا، قمنا الأسبوع الماضي بزيارة نيويورك، والتقينا بعدد من ممثلي الدول أعضاء مجلس الأمن، وطرحنا قضية اللاجئين السوريين في لبنان بكل وضوح، وكشفنا ممارسات السلطات السورية ضد العائدين منهم، من ابتزاز وتهديد وأحياناً اعتقال، وكذلك توزيع السلطات السورية اللاجئين العائدين على مراكز إيواء بعيداً عن مساكنهم وبيوتهم التي هُجّروا منها، وبعضها في مناطق خطرة مثل خطوط التماس، وطالبنا الضغط داخل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي من أجل توفير الحماية اللازمة لهم، وتأمين المساعدات الإنسانية العاجلة لهم وفي وقت سابق من الشهر المنصرم اقمنا فعالية في مكتب هيئة التفاوض بجنيف حيث تحدث السيد رئيس الهيئة إلى عدد كبير من ممثلي الدول الشقيقة والصديقة حول اوضاع اهلنا اللاجئين السوريين في لبنان وكذلك، والتقى رئيس الهيئة الدكتور بدر جاموس بالمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن في جنيف قبل أيام، وطالب بأن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل آلية مراقبة لضمان عدم اعتقال السوريين العائدين من لبنان نتيجة الحرب الدائرة فيه، مع مشاركة الهيئة في هذه الآلية، والكشف كذلك عما إذا كان للمفوض السامي لشؤون اللاجئين أي ضمانات لعودتهم.
-كما بحثنا بشكل ثنائي وجماعي مع ممثلي الدول الشقيقة والصديقة ضرورة ضمان وصول المساعدات العاجلة للاجئين السوريين ورفض أي إجراءات للتمييز بين المحتاجين في لبنان بناءً على الجنسية، وكذلك زيادة المساعدات إلى مناطق شمال غربي سوريا لأن أعداداً كبيرة من السوريين عادوا من لبنان ليستقروا في مناطق شمال غربي سوريا.
س- منذ قبل الحرب وتحديداً منذ عام 2019 واحتداد الأزمة الاقتصادية، تحوّل لبنان من ملاذ للاجئين السوريين إلى بيئة معادية، بعد حملات الشيطنة والتحريض ضدهم، بلغت حد منعهم من زيارة بعض المناطق ليلاً أو العمل، والتضييق عليهم بشكل علني، إلى أي مدى حاولت المعارضة الممثلة في هيئة التفاوض وغيرها، إيقاف هذا الواقع اللا إنساني، وكيف يمكن اليوم حماية هؤلاء اللاجئين وضمان العودة الآمنة وغير القسرية إلى سوريا، سيما وأن الصراع لم ينته بعد؟
ج-لطالما بحثنا موضوع اللاجئين السوريين والمعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، وتعرضهم لممارسات عنصرية من إدارة السجون، ومن حزب الله وحلفائه، والتحريض الذي كانوا يتعرضون له، وحذّرنا الأشقاء العرب من مخاطر تعامل لبنان الرسمي مع السوريين الموجودين فيه بهذه الطريقة، وضرورة وضع حد لذلك والتزام السلطات اللبنانية بالقوانين الدولية، وبقوانين حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين، وأرسلنا رسائل عبر المبعوث الأممي تؤكد وتوثق تفاقم سوء الأوضاع بالنسبة للسوريين في لبنان بشكل خطير، وقيام السلطات اللبنانية بالضغط المادي والمعنوي على الموقوفين والسجناء لإرغامهم على توقيع أوراق تفيد بطلب نقلهم إلى سجون النظام السوري، وما يحمله هذا التصرف من كوارث ومخاطر عليهم.
-وطالبنا عبر محامين أصدقاء في لبنان للتحرك الفوري والتواصل مع السلطات اللبنانية لوقف الانتهاكات بحق السجناء السوريين والسوريين بشكل عام، ورفضنا استخدامهم كورقة في الصراع السياسي الداخلي اللبناني، وأكّدنا أن مأساة اللاجئين السوريين في لبنان هي جزء من مآسي السوريين حول العالم، وجزء من الأوضاع السيئة والأزمات في المنطقة، وجميعها مرتبطة بالحل السياسي في سوريا، الحل الذي يجب أن يمضي وفق ما هو محدد له في القرارات الدولية وخاصة القرار الأممي 2254، لأنه الوحيد الذي يضمن تحقيق الانتقال السياسي في بيئة آمنة ومحايدة تسمح بعودة اللاجئين بكرامة وسلامة، وهو الحل الوحيد لكل الأزمات الإنسانية لأن جذر وأساس الأزمة في سوريا هو سياسي وليس إنساني.
س- برغم محاولات هيئة التفاوض ومساعيها للحل واتصالاتها الإقليمية والخارجية، يبدو أن الطريق لازال وعراً، فالنظام المدعوم من إيران وروسيا غير مستعد للتفاوض وقبول القرارات الدولية المتفق حولها منذ سنوات، برأيكم، أين الحل، وهل سيتحمل السوريون مزيداً من الانتظار والمعاناة في بلدان اللجوء التي لا تحترم إنسانيتهم، وهل يمكن أن يكون هناك بديل عن القرار 2254؟
ج-بداية نؤكد أنه لا بديل عن القرار 2254 ولا عن القرارات والبيانات الدولية المتعلقة بالقضية السورية، لأنها نتيجة توافقات دولية معقّدة استمرت سنوات للتوصل إليها، وقدّم الشعب السوري التضحيات الجسام من أجل الوصول إليها، ونحن نصرّ في هيئة التفاوض السورية على ضرورة تنفيذ القرار 2254 بشكل صارم وكامل وبأسرع وقت ممكن كي نُنقذ سورية من الأسوأ.
-طوال 13 سنة، قام النظام السوري بتعطيل كل الحلول السياسية، وهو يرفض أن يُنفّذ القرارات الدولية، ويضرب بعرض الحائط كل ما اتفق عليه المجتمع الدولي حول سوريا، كما يتهرب من المفاوضات السياسية ومنم اللجنة الدستورية ومن أي التزام واستحقاق مفروض عليه في القرارات الدولية، مُستنداً إلى دعم حلفائه العسكري، وعنفه وعنفهم في التعامل مع السوريين، وساخراً من المجتمع الدولي مُعتقداً أنه يعيش في غابة وأن سوريا مزرعة له يحق أن يفعل بها وبالسوريين ما يشاء، لكن هذا خطأ كبير، ولن يستطيع النظام السوري التهرّب من الحل السياسي إلى ما لا نهاية، فما صدر من قرارات دولية هي واجبة التنفيذ، وهي ثمرة نضال السوريين لسنوات طويلة.
-ومع هذا، فإننا نحاول بكافة الوسائل، وعبر التواصل مع الأطراف العربية والإقليمية والدولية لحثّ مجلس الأمن والضغط عليه لإصدار آليات مُلزمة لكافة الأطراف لتنفيذ القرار 2254، ولتحريك العملية السياسية لأن تبعاها تتوسع وتؤثر على دول الجوار وعلى أوروبا، ويجب وضع حد للمأساة السورية لأن قضايا وقف تدفّق اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم وقضايا وقف العنف في المنطقة، ووقف عمل النظام السوري كوكيل لإيران، ووقف تجارة المخدرات، كلها مرتبط بالحل السياسي، ويجب إنجازه حتى لا تتفاقم هذه الأزمات وتنفجر بوجه المجتمع الدولي.
س-. يُعاب على المعارضة السورية أنها مُقسّمة ومفككة دون هدف مُوحّد، وأُتّهمت بخدمة مصالح ضيقة، وهي اتهامات ناتجة عن غضب من جسم سياسي كان السوريون ينتظرون منه الحل والتغيير بعد ثورة أهدوها دم أبنائهم، سؤالنا، ماهي إشكاليات المعارضة وهل هناك عقبات تعترضها غير الموازنات الدولية التي تتغير كل يوم؟
ج-لا أرى أن المعارضة السورية لا تملك هدفاً موحّداً، فكافة تيارات المعارضة السورية، وأجسامها السياسية، وقواها الثورية، لها هدف واضح ومُعلن ولم يتغير، وهي تحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي في سوريا، والانتهاء من الدولة القمعية الأمنية، والانتقال إلى دولة القانون العادل والدستور العصري، دولة المواطنة والحقوق المتساوية، دولة الكرامة والحرية والديمقراطية وسيادة القانون،هذه الأهداف تجمع كل المعارضين السوريين على اختلاف أيديولوجياتهم وآلياتهم ووسائلهم.
أما عن غضب الشارع السوري، فالمعارضة السورية بأجسامها المعترف بها دولياً تعمل ما بوسعها، ولكن الكارثة كبيرة والاحتياجات عظيمة وهناك نقص متزايد بالتمويل والاستجابة الدولية، فالنظام استخدم العنف المفرط والوحشي وحيله وعلاقاته ووسائله غير المشروعة لعدم وصول السوريين إلى أهدافهم، وتحالف مع قوى لا يهمها مصلحة السوريين كشعب بل تهمها مصالحها الخاصة وتوسّعها وهيمنتها الإقليمية والدولية، وتعاملت بدورها بعنف كبير مع السوريين، واستخدمت كل الوسائل الممكنة لتعطيل القرارات الدولية وإعاقة إصدار قرارات تدين النظام أو تفرض عليه الحل السياسي بالقوة.
-نُحاول في هيئة التفاوض السورية خلال الفترات القريبة الماضية أن نُكوّن أوسع قاعدة ممكنة للسوريين، عبر التشاركية مع القوى السياسية وقوى المجتمع المدني والمجتمع المحلي والقوى الثورية والشبابية والنسائية، وعبر التشاركية والتعاون مع المؤسسات الإعلامية والبحثية والتوثيقية، لنعمل جميعنا يداً واحدة لتحقيق هدفنا الواحد الواضح، ونستخدم كل قوى السوريين وطاقاتهم وخبراتهم ووسائل تأثيرهم، كل من مكانه ومن موقعه، لنستطيع الدفع بالحل السياسي وتنفيذ القرار 2254 ، ونُدرك تماماً أن الطريق ليس سهلاً وليس قصيراً، لكننا نقوى بالسوريين ومعهم، ويداً بيد لابد أن نُحقق ما نسعى له.
س- الواضح أن قطار التطبيع بين النظام وتركيا بلغ طريقاً مسدوداً، فوزير الخارجية التركي أكد أن الأسد غير مستعد للحوار، والواضح أن شروطه قوبلت بالرفض التركي، من ضمنها انسحاب القوات العسكرية التركية، ما موقف هيئة التفاوض، وهل يمكن أن يُعقّد هذا الأمر الحل السوري، فشروط مقابل شروط، لن تخدم النزاع السوري وهي أداة مماطلة؟
ج-نُدرك أن كل محاولات التطبيع مع النظام السوري لم تُثمر عن شيء، لا العربية منها ولا غير العربية، فالنظام السوري بات معروفاً أنه لا يفي بوعوده، ويتهرب ويُناور ويكذب، وهو يسعى بأي طريقة لكسر الحصار المفروض عليه عربياً ودولياً، ووقف العقوبات وجلب أموال الإعمار لينهبها بدوره، ولأنه كذلك لم تنجح أي محاولة تطبيع معه، وجميعها كانت نتائجها على الصعيد العملي صفرية، وفي هذا السياق يأتي الحديث عن مساعي التطبيع التركية، فالأتراك أعلنوها أكثر من مرة على مستوى مسؤولين كبار أنهم يريدون الأمن والأمان لسوريا، ويريدون علاقات طيبة، كما يريدون الأمن لهم، لكن كل ذلك عبر حل سياسي يستند إلى القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، أي لم يتخل الأصدقاء الأتراك عن الشعب السوري، ولم يتخلوا عن قوى الثورة والمعارضة، هم يريدون حلاً ناجعاً يضمن الأمن والسلام المستدام ،و يضمن العودة الآمنة والطوعية للاجئين كافة.
-وطالما أن النظام السوري غير قادر على الإيفاء بأي وعد يتعلق بضمان عدم تحويل سورية لمصدر تهديد لأمن تركيا، أو ضمان أمن اللاجئين، ورافض للمضي بالحل السياسي وفق القرارات الدولية، فإن نتيجة المساعي التركية متوقعة، وهي رفض النظام لها، كما سيرفض أي مبادرة أخرى عربية كانت أم إقليمية.
س-. أخيراً، كيف يمكن فرض تطبيق القرارات الدولية في سوريا، برغم تعنت النظام، وبعيداً عن قوة السلاح، أي قوى قادرة برأيكم على تحقيق ذلك؟
ج-قلنا سابقاً، إننا نحاول بكافة الوسائل، وعبر ضغط الدول الشقيقة والصديقة، حثّ مجلس الأمن والضغط عليه لإصدار آليات مُلزمة لكافة الأطراف لتنفيذ القرار 2254، ولتحريك العملية السياسية، وهي القوة الأنجع لإنجاز الحل السياسي، على اعتبار أن القرار 2254 حظي على موافقة كافة الدول ذات لاصلة والتأثير بالقضية السورية، بما فيه النظام وحلفائه، والمعارضة وأصدقائها، والدول الكبرى طبعاً.
-نعمل على هذا المسار، وتعمل دول صديقة على هذا المسار لأنها باتت تُدرك أن مشاكل المنطقة الأمنية والإنسانية والاقتصادية لن تنتهي طالما لم يُنجز الحل السياسي، وجميعها باتت تّدرك أن النظام السوري نظام مارق لا يحترم القرارت والقوانين الدولية، ولم يُغيّر وسائله وممارساته العنفية، وأهم تجار المخدارات في المنطقة، وفتح المجال أمام إيران لتنتهك سيادة سوريا، وتسبب بأزمات جوع وانهيار اقتصادي في سوريا، ودعم الميليشيات العابرة للحدود، وقام بالكثير من الأشياء التي يجب وضع حد لها حتى لا تتفاقم أكثر وتتوسع كرة اللهب نحو الآخرين.