بعد دعوتهم للعودة إلى “حضن الوطن”…الابتزاز والاعتقال مصير السوريين العائدين إلى مناطق سيطرة النظام

103

لم يسلم العائدون إلى مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له من التعرض للعديد من الانتهاكات مثل الاعتقال والتعذيب والتغييب القسري والمعاملة السيئة وفرض الأتاوات المالية ولاسيما هؤلاء الذين ينحدورن من مناطق خرجت بوجه النظام السوري في بدايات الثورة السورية حيث يمارس عليهم التضييق بعد عودتهم بشكل طوعي إلى مناطقهم.

ويعد ابتزاز العائدين إلى سوريا مالياً من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام والحواجز العسكرية من أبرز وأشهر الانتهاكات التي يتعرضون لها فور وصولهم إلى الحدود السورية عبر المعابر الحدودية مع الدول المجاورة أو عبر المطارات حيث تقوم هذه الحواجز العسكرية بفرض ضرائب مالية تصل لمئات الآلاف على الأشخاص العائدين ولاسيما من دول الخليج بسبب نظرة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لهؤلاء العائدين على أنهم يملكون مبالغ مالية كبيرة ما يدفعها لفرض هذه الضرائب التي لايوجد لها تبرير قانوني أساساً وليست سوى سرقة واضحة لجيوب العائدين الذين يجبرون على دفع هذه الأموال تجنباً لتعرضهم للاعتقال التعسفي ولضمان وصولهم سالمين إلى ذويهم.

وأصدرت “دائرة الهجرة الدنماركية” مؤخراً تقريراً حمل عنوان “العودة إلى سوريا” تحدثت خلاله عن عودة السوريين خلال الخمس سنوات الماضية إلى سوريا من الدول العربية ودول الإتحاد الأوروبي وما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة على يد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، حيث سلط التقرير الضوء على آلاف اللاجئين السوريين الذين عادوا والسياسة المتبعة معهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام والتي وصفها التقرير “بالغير واضحة” من الخارج.

وأوضح تقرير “دائرة الهجرة الدنماركية” أن سلطات النظام دعت اللاجئين السوريين في الدول العربية والدول الأوروبية للعودة وتعهدت بوضع الإجراءات اللازمة لضمان عودتهم وعدم ملاحقتهم أو إزعاجهم، إلا أن العديد من التقارير تتحدث عن تعرضهم للانتهاكات على يد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وشملت تلك الانتهاكات حتى من قاموا بتسوية أوضاعهم قبل عودتهم، وتحدث هذه الانتهاكات في ظل عدم وجود منظمات دولية لمراقبة العودة، فمن غير الواضح مدى انتظام وانتشار هذه الانتهاكات.

ولفت التقرير، إلى أن حتى الضابط المسؤول عن نقطة التفتيش على الحدود السورية يملك القدرة على اتخاذ قرار بشأن العائدين إلى سوريا، وقد فاقم الوضع الإنساني المتردي والأوضاع الإقتصادية من ظهور حالات ابتزاز العائدين من قبل السلطات المحلية، ويهدف التقرير لتوفير معلومات جديدة حول طريقة معاملة سلطات النظام السوري مع العائدين إلى سوريا بشكل طوعي.

واستند التقرير في حصوله على المعلومات إلى عدة مصادر مختلفة مثل تقارير أمنية صدرت في أواخر العام 2020 وفي شهر تشرين الأول من العام الماضي 2021، حيث تضمنت هذه التقارير معلومات عن تسوية وضع العائدين إلى سوريا إضافة لمقابة مع منظمة حقوقية في شهر نيسان/ أبريل الماضي، وعدة مصادر أخرى رفضت الكشف عن هوياتها.

وبحسب التقرير، فقد بلغ عدد السوريين الفارين من بلادهم أو نزحوا في الداخل، أكثر من 13 مليون شخص، ويتم استضافة أكثر من 5.7 ملايين لاجئ سوري في البلدان المجاورة و6.9 ملايين نازح داخلياً وفقاً للتقرير.

ولايقتصر الأمر عند المضايقات التي يتعرض لها العائدون عند نقاط التفتيش والمعابر الحدودية والمطارات من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، بل تشارك قوات النظام بحواجزها العسكرية التي تقطع أوصال المحافظات في مناطق سيطرة النظام السوري بعملية ابتزاز وسرقة العائدين لكونهم يشكلون مصدر تمويل مهم بالنسبة للحواحز العسكرية الممنوحة كافة الصلاحيات لممارسة السرقات بحق المدنيين.

ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق بتاريخ 23 أيار/ مايو الفائت تقريراً أشار فيه إلى تورط “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام والتي يقودها “ماهر الأسد” شقيق رئيس النظام السوري في سرقة أموال العائدين إلى سوريا ولاسيما الأشخاص المنحدرين من المنطقة الشرقية كمحافظتي الرقة ودير الزور والعائدين غالبيتهم من دول الخليج، وذلك من خلال فرض الضرائب المالية من قبل الحواجز العسكرية التابعة للفرقة ضمن مناطق سيطرة النظام السوري.

وأفاد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن حواجز “الفرقة الرابعة” تقوم بمصادرة المبالغ المالية التي تكون بحوزة الأشخاص العائدين حديثاً إلى سوريا بحجة التعامل بغير الليرة السورية علماً أنهم يدخلون عبر المعابر الرسمية على الحدود مع لبنان والأردن، كما يقوم عناصر الفرقة بمصادرة بعض البضائع والأغراض الشخصية بعد تفتيش دقيق للرجال والنساء، في حين وصلت أجرة “التكسي” من العاصمة دمشق إلى محافظة الرقة لنحو 600 ألف ليرة سورية وذلك بسبب الأتاوات والضرائب المالية التي تفرض على العائدين حديثاً من قبل الحواجز العسكرية.

الناشط الحقوقي (م.ي) في حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، إن النظام السوري يتعمد التضييق على العائدين إلى المحافظات السورية الخاضعة لسيطرته ويتعمد إهانتهم بقصد أن يثبت لهم أنهم قد عادوا مرغمين إلى سلطته وتحت حكمه بعد خروجهم ومعارضتهم، فهي بالدرجة الأولى القصد منها إهانة أبناء الشعب السوري المعارضين لحكم النظام السوري ورئيسه.

مضيفاً، وتعد الأموال المسروقة من جيوب العائدين مصدراً مهماً للضباط والعناصر نتيجة الإهمال الكبير لهم من قبل النظام الذي يعاني من عجز مالي كبير ما دفعه لمنح هذه الحواجز والأجهزة الأمنية جميع الصلاحيات لسرقة المدنيين بشتى الوسائل والطرق، أما عن الأسباب الرئيسية التي تدفع باللاجئين السوريين للعودة فهي بعيدة عن ولاءهم للنظام ورغبتهم فيه بل إن لكل واحد منهم أسبابه الخاصة كوجود بعض أقاربهم في سوريا أو مشاكل تواجههم في الدول التي لجأوا إليها.

ويلفت إلى أن أعداد العائدين لا تعد كبيرة جداً في الحقيقة وهي أقل بكثير من الذين يسافرون سنوياً خارج سوريا سواءً عبر طرق التهريب أو الطرق الرسمية لكن النظام السوري يتعمد تضخيم حجم العودة بهدف تحسين صورته لدى المجتمع الدولي، بل إن غالبية من يعودون يضطرون للسفر من جديد بسبب عدم وجود أدنى مقومات للحياة في مناطق سيطرة قوات النظام السوري والميليشيات المساندة له.
ويدعو للتركيز من قبل المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان على قضية العائدين لمناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له وما يتعرضون له من ابتزاز وسرقات واعتقالات وانتهاكات عديدة قد تصل إلى الاختطاف والقتل خارج نطاق القانون انتقاماً منهم لمعارضة الكثير منهم للنظام رغم منحهم الأذون للعودة وتسوية أوضاعهم.

أما السيدة ( أ.ب) وهي سيدة سورية من مدينة حمص مقيمة في لبنان، فقد عانت كثيراً جراء هذا اللجوء المستمر و تصف النظام السوري بأنه “نظام إجرامي” ولا يؤمن جانبه ولا ينبغي لأحد أن يصدقه، وذلك بعد استشهاد زوجها منتصف العام 2020 داخل سجون النظام بعد اعتقاله أثناء عودته إلى سوريا، فبعد معاناة استمرت لمدة عام من النزوح في منطقة “دير عطية” في ريف دمشق قررت الخروج من سوريا برفقة زوجها إلى لبنان وبعد نحو ست سنوات من اللجوء في لبنان قرر زوجها العودة من جديد إلى سوريا.

عودة زوجها كانت بعد أن تلقى وعوداً من أشخاص من داخل مدينة حمص بعدم التعرض له وأن الواقع الأمني في مناطق سيطرة قوات النظام قد تغير نحو الأفضل وأن حكومة النظام باتت ترحب بالعائدين إلى سوريا علماً بأنها تؤكد عدم مشاركة زوجها في أي حراك خلال الثورة السورية سواء كانت مظاهرات مدنية أو حراك مسلح.

وتفاجأ زوج السيدة (أ.ب) بعد عودته إلى مدينة حمص بمنعه من الوصول إلى منزله الواقع وسط المدينة وطلب منه من قبل عناصر حاجز يتبع “للفرقة الرابعة” باستخراج ورقة من قبل أحد الأفرع الأمنية تخوله من دخول منزله، وبسبب أن مدة استخراج الورقة تتطلب وقتاً طويلاً فقد اضطر لدفع رشوة مالية تقدر بنحو 150 دولار أمريكي للحاجز المتمركزة داخل الحي الذي يوجد فيه المنزل.

لم تمضي ساعات حتى تم اعتقاله على يد عناصر الحاجز ذاته والتوجه به لفرع “المخابرات الجوية” دون وجود أي مبرر ودون توجيه أي تهمة معينة له، وبعد ذلك تم توكيل محامي حيث أكد بأنه سيتم إطلاق سراحه، لكن الأيام مرت ولم يتم إطلاق سراحه، وفي منتصف العام 2020 علمت السيدة ( أ.ب) باستشهاد زوجها داخل أقبية السجون أثناء استخراجها لورقة “بيان عائلي” من دائرة “السجل المدني”، وقد تأكدت من ذلك بعد أن أرسلت لها “شهادة وفاة” دون تسليم جثته.

وركز إعلام النظام السوري خلال السنوات الأخيرة على الترويج لفكرة عودة اللاجئين السوريين المقيمين في دول عربية ودول الاتحاد الأوروبي لسوريا وتسوية أوضاعهم الأمنية وضمان عدم ملاحقتهم أو التعرض لهم، لكن جميع المعطيات والتقارير تؤكد عدم وجود أمان للعائدين من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام التي تعمد إلى اعتقالهم وابتزازهم مالياً منذ لحظة وصولهم إلى الأراضي السورية.