اللاجئيين السوريين ورقة أردوغان الرابحة في بازاراته بالمحافل الدولية
شكلت الانتفاضة الشعبية السورية التي اندلعت على خلفية التناقضات المستشرية في المجتمع السوري جراء سياسات السلطة الحاكمة المجحفة والديكتاتورية بحق شعبها، أرضية خصبة لاستثمارها من قبل بعض الدول والقوى ممن يمتلكون مشاريع وأطماع استعمارية توسعية احتلالية وإقتصادية في سوريا والمنطقة عموماً. فكانت تركيا بقيادة حكومة العدالة من أوائل تلك الدول والقوى المستثمرة للوضع السوري لتمرير استراتيجيتها التي طال انتظارها لتتحول إلى واقع معاش.
تمكنت حكومة العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وعبر خطاباتها الغوغائية المصحوبة بصبغتها الدينية وتحت حجج وذرائع من قبيل نصرة الشعب السوري ولدواعي إنسانية من التأثير في وجدان شريحة لا بأس بها من الشعب السوري، فتحت أبوابها على مصراعيها أمام اللاجئيين السوريين المهجرين ودفعت بهم للهجرة إلى داخل أراضيها في خطوة أولية لتفريغ المنطقة من سكانها الأصلاء خدمة لتحقيق مجموعة من الأهداف؛ منها الاستفادة من اللاجئيين داخل أراضيها لتؤمن تدخلاتها بزخم كبير في الأزمة السورية ونواحي أخرى تخدم سياساتها الداخلية، بالإضافة إلى تأمين ممرات لتحرك المجموعات الإرهابية والعبث بأمن واستقرار سوريا، بعد أن عملت وبشكل ممنهج على عسكرة الحراك السوري عبر دعم الفصائل الإسلاموية بمختلف تشكيلاتها وبكافة أنواع الدعم المادي والعسكري واللوجستي، وتحويل تركيا إلى ممرٍ آمنٍ لعبور الإرهابيين إلى سوريا من مختلف أصقاع العالم.
حيث استثمرت الأزمة السورية بكامل حذافيرها خدمة لأجنداتها التوسعية الاحتلالية، فكانت من بينها ورقة اللاجئيين الرابحة، حيث حققت لها الكثير من الأجندات ومازالت. وكان ملف اللاجئين السوريين الحاضر الغائب كورقة ضغط بيد حكومة العدالة والتنمية في بازاراتها في جميع المحافل الدولية.
فعملية استقطاب اللاجئيين السوريين جعلتها من أكبر الدول المستقبلة لهم. حيث ساعدتها إلى جانب خطاباتها الغوغائية بعدد من الامتيازات التي كانت تقدمها في البداية للاجئين كحوافز لاستقطابهم، فاستحواذها على ورقة اللاجئين السوريين من جملة العوامل التي أمّنت حضورها كقوة مؤثرة ومفروضة وبكثافة في الأزمة السورية.
حيث لم تتوان حكومة العدالة التنمية من تسخير ورقة اللاجئين السوريين خدمة لسياساتها الداخلية والخارجية، حيث كانت الورقة الأكثر استخداماً كتهديد للدول الأوربية بإغراقها باللاجئين في حال عدم الاستجابة لمطالبها مستغلة تخوفات الأوروبية وهواجسهم من الإسلام فوبيا وبعد تحقيقها لنجاحات باهرة على صعيد عمليات تحويل السوريين إلى مرتزقة والمتاجرة بهم في حروبها الخارجية التوسعية. هذا إلى جانب تحويل المعارضة المرتهنة لها وتصديرهم كجماعات إسلاموية إرهابية. فالمتاجرة بالقضية السورية بعدما كانت تحظى بدعم شعبي ودولي حولتها –حكومة العدالة والتنمية- إلى إسلام فوبيا يخشاها المجتمع الدولي. حيث باتت كلمة الارتزاق والإرهاب ملازمان لكلمة السوري.
أوروبا وبناءً على مخاوفها من انتقال الإسلاموية والإرهاب إليها وحماية أوطانها والحفاظ على أمنها واستقرارها قدمت جميع أنواع الدعم المادي لحكومة العدالة والتنمية، لكن في الحقيقة الأمر ذهبت تلك الأموال بدلاً من اللاجئيين السوريين إلى تنمية وتطوير وانعاش الإرهاب وتمويل العمليات التركية الخارجية عبر أدواتها من التنظيمات الإرهابية الإسلاموية. كما أنها استثمرت اللاجئين في عمليات التغيير الديمغرافي وعمليات الإبادة العرقية بحق مكونات المجتمع السوري ونهب وسرقة تاريخ البلاد ومقدراتها.
فمناطق الاحتلال التركي تمارس فيها هندسة ديمغرافية لا مثيل لها في التاريخ الحديث عن طريق توطين لاجئين البعض منهم مغلوب على أمره والغالبية العظمى عوائل وعناصر للتنظيمات الإسلاموية الإرهابية بعد تهجير سكانها الأصليين. لم تتوقف عند هذا الحد فحسب حيث أنها وتحت عباءة الأعمال الخيرية والإنسانية تقوم بإنشاء مستوطنات بأموال جمعيات كويتية وقطرية وفلسطينية إخوانية لتوطين عوائل العناصر الإرهابية لتأمين ديمومة بقائهم في تلك المناطق وعدم السماح لسكانها الأصلاء بالعودة. هذا إلى جانب تحويل تلك المناطق لحاضنة وبيئة آمنة لعناصر داعش الإرهابي.
هذه الإجراءات تأتي تنفيذاً لاستراتيجياتها بالإبقاء على المنطقة في حالة فوضى دائمة عبر اللعب على الوتر الديني والقومي وضرب النسيج الاجتماعي السلمي وخلق حالة عداء وصراع دائم بين اللاجئين الذين جلبتهم من مختلف المناطق والمحافظات السورية ومن خارجها إلى المناطق المحتلة تركياً. وخلق فتنة كردية –عربية تتجاوز حدود سوريا الوطنية حيث أنها تلعب لعبة خبيثة عبر توطين فلسطينيين في مدينة عفرين ذات الهوية الكردية.
واليوم واستغلالاً للظروف الدولية وانشغال العالم بالأزمة الأوكرانية لقاء بعض الخدمات التي تقدمها لقوى الهيمنة العالمية قامت مجدداً بالتلويح بورقة اللاجئيين مرة أخرى عبر إطلاق مشروع تحت مسمى العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري إلى أراضيها إلى كل من سري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) وجرابلس عبر بناء مستوطنات لهم في تلك المناطق، وتزامن إطلاق هذه الحملة قبيل مؤتمر بروكسل للمانحين.
طبعاً هذه الحملة لم تأت من فراغ، بل هي استكمالاً لسلسلة إجراءات قامت بها من عمليات تغيير ديمغرافي وإبادة عرقية وتتريك ممنهج بما تخدم أجنداتها الاحتلالية التوسعية في الشمال السوري. كما أنها تأتي مع حملات أطلقتها المعارضة التركية قبل الانتخابات التركية المقبلة بضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. أردوغان عبر هذه الحملة يحقق هدفين أولهما استكمال مشروعه في الشمال السوري إلى جانب سحب الورقة من يد المعارضة التركية، كما أنها تؤمن لها بعض المكاسب المادية في حال تمكنت من إقناع الدول المانحة بتمويل مشاريعها لتحسين أوضاعها الاقتصادية وبالتالي ربما تتمكن من استعادة البعض من شعبيتها التي خسرتها.
إلى جانب جملة من عوامل أخرى تؤمن ديمومة حكومة العدالة والتنمية في السلطة والأزمة السورية كقوة فاعلة، وهي فرصة لتطهير أراضيها من العناصر الإرهابية الإسلاموية لما يشكلون من تهديد على المستقبل التركي والزج بهم في سوريا، وضرب مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. وبكل تأكيد ستكون هذه المناطق حاضنة شعبية داعمة لسياسات أردوغان يستفيد من أصواتهم في حالة إجراء استفتاء يدعم استمرارية بقاء التركي في سوريا، إلى جانب الاستفادة من أصواتهم في الانتخابات التركية لكون غالبيتهم تم تجنيسهم بالجنسية التركية وهو ما صرح به أردوغان علانية. كما أنها أي المناطق الآمنة التي يزعم أردوغان على بنائها ستحمي الحدود التركية مع سوريا وذلك عبر التأسيس لكيانات جماعات الإسلام السياسي أدواتها الاستراتيجية في تنفيذ سياساتها الاستراتيجية في المنطقة. فالمرحلة الذهبية التي عاشتها حكومة العدالة والتنمية عندما كانت داعش محتلة للأراضي السورية على حدودها الجنوبية مع سوريا.
اليوم وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على الأزمة السورية وهي في أشد مراحلها تعقيداً وكارثية تدعي حكومة العدالة والتنمية بتوطين اللاجئيين في المنطقة الآمنة التي تمارس فيها جميع الجرائم والانتهاكات المنافية للقانون الدولي والإنساني، ليكشف للعالم مرة أخرى نفاق حكومة العدالة والتنمية واستثماراتها لمعاناة الشعب السوري، وكيف أنها وتحت عباءة النصرة والإنسانية دفعت الناس للهجرة إلى داخل أراضيها، واليوم أيضاً وتحت مسمى العودة الطواعية تجبر البعض منهم على العودة للعيش في ظروف كارثية وفق كافة المقاييس.
سياسات العدالة والتنمية لم تعد خافيةً للقاصي والداني، ولكن للأسف الشعب السوري تحول لضحية جراء ازدواجية المعايير والمصالح الدولية. وبات الخطر التركي وتداعياته لا تنحصر داخل الأراضي السورية، بل هي تهديد على أمن ومستقبل المنطقة برمتها. هذا ما دفع الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام ذكي ولو لم يشير صراحة إلى تركيا/ حينما دعا؛ إلى تجديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات الإنسانية داخل سوريا بعيداً عن التسييس.
والتحرك جاد نحو إنهاء هذا الصراع المرير عبر البحث عن ديناميكيات جديدة والانخراط فيها والتوصل إلى تسوية سياسية، استنادا لقرار مجلس الأمن 2254، ورفض التدخلات والاعتداءات الخارجية وأي ترتيبات تعزز تواجد قوات دول إقليمية داخل الأراضي السورية، والتي تستهدف فرض تغييرات ديموغرافية وترسخ لواقع جديد على الأرض السورية.
وهذا يتطلب تكثيف الجهود للوقوف على الأزمة السورية وضرورة إنهائها من جهة، والتوقف على قضية اللاجئين السوريين من جهة أخرى، وأن أي عودة يجب أن تكون بضمانات دولية وإلى مناطق سكناهم الأصلية وعبر عملية انتقال سياسية، وضرورة التمييز بين اللاجئين المغلوبين على أمرهم والإرهابيين ووضع حد للسياسات التركية والانتهاكات التي تمارسها المنافية للمواثيق والأعراف والعهود الدولية والإنسانية. كما يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني فضح سياسات العدالة والتنمية عبر توثيق جميع تلك الجرائم وتقديمها للجهات المعنية والرأي العام العالمي، وضرورة تقديم الجناة للعدالة، والبدء بخطوات عملية متجاوزين مرحلة التنديد وإبداء القلق وإلا سنكون أمام أفغانستان جديدة، تتصدر داعش هذه المرة من الشمال السوري.
الكاتب: ليلى موسى
المصدر: مركز العرب للأبحاث والدراسات