تغيير ديمغرافي ومناطق بلا مقومات.. رفض لمشروع “العودة الطوعية” من تركيا
يشهد الشمال السوري حالة من تضارب واختلاف الآراء حول عزم الحكومة التركية البدء بخطة تهدف لإعادة نحو مليون سوري من المقيمين في تركيا إلى مناطق الشمال السوري، ضمن خطة “العودة الطوعية” التي تعمل عليها تركيا، بينما يرى البعض القليل من الإيجابيات لهذا القرار يؤكد آخرون بأنه خطوة “غير منطقية” وستزيد أعباء السوريين في الشمال السوري بشكل عام.
وبدأت الحكومة التركية بطرح فكرة ترحيل اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها بشكل مباشر وواضح في الآونة الأخيرة، حيث صرح الرئيس التركي”رجب طيب أردوغان” بتاريخ 3 أيار/ مايو الجاري، بأنه يعتزم البدء بمشروع اسماه “العودة الطوعية” للسوريين اللاجئين في بلاده وذلك بعد تجهيز أماكن إيواء داخل الأراضي السورية لاستقبالهم بدعم من منظمات إنسانية تركية، مؤكداً أن نحو 500 ألف لاجئ سوري عادوا إلى سوريا بشكل طوعي منذ العام 2016.
وبعد التصريح الذي أطلقه “أردوغان” بدأت تتضح أكثر ملامح المشروع التركي الذي تبين أنه سينقسم إلى 8 مراحل ويبدأ ببناء قرى سكنية وتجهيز البنية التحتية في 13 منطقة في الشمال السوري مثل مدن وبلدات جرابلس والباب وجنديرس وإعزاز لعودة مليون لاجئ سوري إلى الشمال السوري تحت مسمى “العودة الطوعية”.
وتزامنت تصريحات “أردوغان” مع زيارة قام بها وزير داخليته “سليمان صويلو” في ثاني أيام “عيد الفطر” الفائت لمناطق الشمال السوري مع وفد من منظمات إنسانية ومسؤولين في “هيئة الإغاثة التركية” و”هيئة الطوارئ والكوارث” و”الهلال الأحمر التركي” و”وقف الديانة التركية”، حيث أشرف خلال زيارته على افتتاح قرية سكنية وتسليمها للنازحين في قرية “باتبو”.
ويؤكد العديد من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا بدء الحكومة التركية بحملة ضد اللاجئين السوريين لدفعهم قبول قرار “الترحيل”، حيث بدأت السلطات التركية بإجراء وقف منح الجنسيات للمتقدمين لها من السوريين، كما تعمد إلى التدقيق على السوريين من ناحية الأوراق والمستندات الثبوتية مثل “بطاقة الحماية المؤقتة”وعناوين السكن، الأمر الذي اعتبره اللاجئون السوريون في تركيا محاولة لإرغامهم على العودة إلى سوريا عبر التضييق عليهم.
ويرفض غالبية اللاجئين السوريين في تركيا وسكان الشمال السوري من نازحين ومهجرين وسكان أصليين فكرة المشروع التركي الذي تنوي تنفيذه، وبحسب آراء الكثير منهم فإنه لا وجود لأي بوادر للبدء بتأهيل المناطق التي تحدث عنها الرئيس التركي، حيث تفتقر هذه المناطق لوجود بنية تحتية جيدة وفرص للعمل كما وتعاني القطاعات والمنشآت الحيوية فيها من تردي كبير لاسيما جوانب الصحة والتعليم والخدمات.
الناشطة (ن.س) المقيمة في ريف إدلب الشمالي في حديثها للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تقول، إن إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري سيتسبب بكارثة إنسانية حقيقية ستعم جميع مناطق الشمال السوري، لكون هذه المناطق تعاني من تضخم سكاني كبير ولا تستوعب كل هذه الأعداد من اللاجئين الذين تنوي حكومة تركيا إعادتهم، مضيفة، وبالأساس تعاني القطاعات التعليمية والخدمية والصحية من عجز كبير بسبب أعداد السكان وقلة الدعم الموجه لها وقد شاهدنا خلال الفترات السابقة كيف أغلقت العديد من المشافي والمدارس أبوابها بسبب قلة الدعم، فعودة مليون لاجئ سيزيد الضغط بشكل مضاعف وسيكون من المستحيل توفير معيشة صالحة لهم، فضلاً عن تقاعس المنظمات الإنسانية عن دعم تجمعات النازحين والمهجرين.
وتشير إلى أن على الحكومة التركية أن تتحمل عواقب هذا المشروع بحال كانت مصرة على تنفيذه، فهي من فتحت أبوابها بداية للاجئين وسهلت دخولهم، فليس من المنطقي أن تتخلى عنهم بهذه السهولة وتتركهم لمصير مجهول دون مساعدتهم، المطلب حالياً للنازحين والمهجرين في الشمال السوري هو عودتهم لقراهم وبلداتهم وانسحاب قوات النظام منها، وليس زيادة الأعباء عليهم بإعادة المزيد من اللاجئين.
ويرفض بدوره الشاب ( ط.أ) من ريف حماة الغربي والمقيم في مدينة الريحانية التركية عودته إلى الشمال السوري حالياً بأي شكل من الأشكال، وفي حديثه للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول، من الممكن أن يعود جزء قليل جداً من اللاجئين السوريين في تركيا ممن يعانون هنا من حالة فقر شديدة وعدم قدرتهم على دفع إيجارات المنازل، فهؤلاء من الممكن ان يعودوا بحال تأمنت لهم شقق سكنية مجاناً ودعم غذائي، أما الغالبية من السوريين في تركيا لا يفضلون العودة.
ويتابع، أنه لجأ لتركيا منذ أكثر من سبع سنوات ويعمل في أحد المطاعم ويوفر بشكل شهري مبلغاً من المال يستطيع من خلاله دفع إيجار منزله وإرسال جزء منه لعائلته النازحة في أحد مخيمات النازحين في ريف إدلب الشمالي، فبمجرد عودته فإنه سيعاني من عدم توفر فرصة عمل له وسيزيد ذلك من معاناة عائلته التي تعتمد عليه بشكل كبير في توفير لقمة عيشها.
مؤكداً، رفضه القاطع للعودة إلا بعد أن تعود المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً ليتمكن من العودة إلى منزله وقريته مسقط رأسه، أما العودة إلى الشمال السوري حيث مخيمات النزوح فإن خيار صعب جداً ولا يقبل به الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا.
أما ( ر.س) وهي سيدة تنحدر من ريف دمشق وتقيم منذ العام 2014 في مدينة اسطنبول التركية تحدثت للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجهة نظرها بالمشروع التركي قائلة، يوجد هناك نسبة كبيرة جداً من اللاجئين السوريين في تركيا هم أساساً من محافظات متعددة مثل دمشق وحمص وحلب والرقة ودير الزور وغيرها، فالاجئ من هذه المحافظات لن يعود لأنه في كلا الحالتين هو مهجر ولن يتم إعادة لمحافظته بل سيتم وضعه في مخيمات بدائية جداً.
مضيفة، هذه القرى السكنية التي تنوي تركيا بناءها في الشمال السوري لن تكون كافية لاستيعاب مليون لاجئ وهذا إن تحدثنا عن مرحلة أولى، ثم إن هذه المنازل السكنية البدائية ضمن قرى سكنية ضيقة ومتلاصقة ستكون عبء كبير على المدنيين، ومن ناحية أخرى فهذه المناطق ليست ملك للاجئين بل هي لأصحابها وهذا سيكون بمثابة “تغيير ديمغرافي” سيحدث بشكل واسع في الشمال السوري.
وتوضح، أن اللاجئ بات يتخوف من عودته إلى الشمال السوري من ناحية أخرى وهي ما تمارسه السلطات القائمة في هذه المناطق من فصائل وحكومات من تضييق على المدنيين وقمعهم، فهم يشعرون بشيء من الخوف تجاه هذه المناطق بعد أن مضى على اللجوء إلى تركيا سنوات عديدة وحدوث الكثير من التغيرات.
وتلفت إلى أن الخوف أيضاً من ترسيم للحدود وهذا يعني الاستغناء عن جميع المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة له والاكتفاء فقط بحصر السوريين داخل هذه البقعة الجغرافية الضيقة، وبناءً على كل هذه التخوفات والأسباب فإن هناك رفض قاطع للعودة.
ويشار، أن تركيا كانت الوجهة الأساسية للسورين منذ بداية أحداث الثورة السورية هرباً من قمع النظام والقصف الجوي والبري الذي تعرضت له العديد من المناطق السورية، وتحوي تركيا قرابة أربع ملايين لاجئ سوريا على أراضيها، لكن وخلال الفترة الأخيرة بدأت الحكومة التركية تظهر عدم قدرتها على تحمل المزيد من أعباء اللاجئين وقد أصدرت خلال الفترة الأخيرة العديد من القرارات الجائرة بحق السوريين.